الأحد، 28 يوليو 2013

قبول الطاعه~°



*

الحمد لله وكفى وصﻼ‌ةً وسﻼ‌ماً على عبده المصطفى وعلى آله وصحبه ومن اقتفى..

وبعد.

بعد كل طاعة وعبادة سواءً كانت عمرة ، حج ، صيام – صﻼ‌ة – صدقة،أي عمل صالح كلنا يردد هتاف علي رضي الله عنه يقول: (ليت شعري، من المقبول فنهنيه، ومن المحروم فنعزيه).

وبعد كل طاعة نردد أيضاً قول ابن مسعود رضي الله عنه : (أيها المقبول هنيئًا لك، أيها المردود جبر الله مصيبتك).

ولقد قال عليّ رضي الله عنه: (ﻻ‌ تهتمّوا لقِلّة العمل، واهتمّوا للقَبول)، ألم تسمعوا الله عز وجل يقول : ) إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (( المائدة:27).

أخي الحبيب:

ﻻ‌ تكن مثل بعض المسلمين،الذين ليسوا حريصين على قبول طاعاتهم ، فإن التوفيق للعمل الصالح نعمة كبرى، ولكنها ﻻ‌ تتم إﻻ‌ بنعمة أخرى أعظم منها، وهي نعمة القبول.

وإذا علم العبد أن كثيراً من اﻷ‌عمال ترد على صاحبها ﻷ‌سباب كثيرة كان أهم ما يهمه معرفة أسباب القبول ، فإذا وجدها في نفسه فليحمد الله ، وليعمل على الثبات على اﻻ‌ستمرار عليها ، وإن لم يجدها فليكن أول اهتمامه من اﻵ‌ن: العمل بها بجد وإخﻼ‌ص لله تعالى.



فما هي أساب القبول أو ما هي عﻼ‌مات المقبولين :



1- عدم الرجوع إلى الذنب بعد الطاعة:

فإن الرجوع إلى الذنب عﻼ‌مة مقت وخسران , قال يحي بن معاذ :" من استغفر بلسانه وقلبه على المعصية معقود , وعزمه أن يرجع إلى المعصية بعد الشهر ويعود , فصومه عليه مردود , وباب القبول في وجهه مسدود ".

إن كثيرا من الناس يتوب وهو دائم القول: إنني أعلم بأني سأعود.. ﻻ‌ تقل مثله.. ولكن قل : إن شاء الله لن أعود " تحقيقا ﻻ‌ تعليقا".. واستعن بالله واعزم على عدم العودة..



2- الوجل من عدم قبول العمل:

فالله غني عن طاعاتنا وعباداتنا، قال عز وجل ـ:*

(وَمَن يَشْكُرْ فَإنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) [لقمان: 12]، وقال تعالى ـ:*

(إن تَكْفُرُوا فَإنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَﻻ‌ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) [الزمر: 7] ،والمؤمن مع شدة إقباله على الطاعات، والتقرب إلى الله بأنواع القربات؛ إﻻ‌ أنه مشفق على نفسه أشد اﻹ‌شفاق، يخشى أن يُحرم من القبول، فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن هذه اﻵ‌ية: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) [المؤمنون: 60]

أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟! قال: (ﻻ‌ يا ابنة الصديق! ولكنهم الذين يصومون ويصلّون ويتصدقون، وهم يخافون أن ﻻ‌ يقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات).

فعلى الرغم من حرصه على أداء هذه العبادات الجليﻼ‌ت فإنه ﻻ‌ يركن إلى جهده، وﻻ‌ يدل بها على ربه، بل يزدري أعماله، ويظهر اﻻ‌فتقار التام لعفو الله ورحمته، ويمتلئ قلبه مهابة ووجﻼ‌ً، يخشى أن ترد أعماله عليه، والعياذ بالله، ويرفع أكف الضراعة ملتجئ إلى الله يسأله أن يتقبل منه.



3- التوفيق إلى أعمال صالحة بعدها:

إن عﻼ‌مة قبول الطاعة أن يوفق العبد لطاعة بعدها، وإن من عﻼ‌مات قبول الحسنة: فعل الحسنة بعدها، فإن الحسنة تقول: أختي أختي. وهذا من رحمة الله تبارك وتعالى وفضله؛ أنه يكرم عبده إذا فعل حسنة، وأخلص فيها لله أنه يفتح له باباً إلى حسنة أخرى؛ ليزيده منه قرباً.

فالعمل الصالح شجرة طيبة، تحتاج إلى سقاية ورعاية، حتى تنمو وتثبت، وتؤتي ثمارها،وإن أهم قضية نحتاجها أن نتعاهد أعمالنا الصالحة التي كنا نعملها، فنحافظ عليها، ونزيد عليها شيئاً فشيئاً. وهذه هي اﻻ‌ستقامة التي تقدم الحديث عنها.



4- استصغار العمل وعدم العجب والغرور به :*

إن العبد المؤمن مهما عمل وقدَّم من إعمالٍ صالحة ,فإن عمله كله ﻻ‌ يؤدي شكر نعمة من النعم التي في جسده من سمع أو بصر أو نطق أو غيرها، وﻻ‌ يقوم بشيء من حق الله تبارك وتعالى، فإن حقه فوق الوصف، ولذلك كان من صفات المخلصين أنهم يستصغرون أعمالهم، وﻻ‌ يرونها شيئاً، حتى ﻻ‌ يعجبوا بها، وﻻ‌ يصيبهم الغرور فيحبط أجرهم، ويكسلوا عن اﻷ‌عمال الصالحة. ومما يعين على استصغار العمل:معرفة الله تعالى، ورؤية نعمه، وتذكر الذنوب والتقصير.

ولنتأمل كيف أن الله تعالى يوصي نبيه بذلك بعد أن أمره بأمور عظام فقال تعالى:

( يا أيها المدثر. قم فأنذر. وربك فكبر. وثيابك فطهر. والرجز فاهجر. وﻻ‌تمنن تستكثر). فمن معاني اﻵ‌ية ما قاله الحسن البصري: ﻻ‌تمنن بعملك على ربك تستكثره.

قال اﻹ‌مام ابن القيم: «كلما شهدت حقيقة الربوبية وحقيقة العبودية، وعرفت الله، وعرفت النفس، وتبيَّن لك أنَّ ما معك من البضاعة ﻻ‌ يصلح للملك الحق، ولو جئت بعمل الثقلين؛ خشيت عاقبته، وإنما يقبله بكرمه وجوده وتفضله، ويثيبك عليه أيضاً بكرمه وجوده وتفضله" مدارج السالكين، (439/2).*



5- حب الطاعة وكره المعصية:*

من عﻼ‌مات القبول ، أن يحبب الله في قلبك الطاعة ,فتحبها وتأنس بها وتطمئن إليها قال تعالى:

(الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَﻻ‌َ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ )الرعد28*

ومن عﻼ‌مات القبول أن تكره المعصية والقرب منها وتدعو الله أن يُبعدك عنها قائﻼ‌ً:

اللهم حبب إليَّ اﻹ‌يمان وزينه في قلبي وكرَّه إليَّ الكفر والفسوق والعصيان واجعلني من الراشدين.



6- الرجاء وكثرة الدعاء:*

إن الخوف من الله ﻻ‌ يكفي، إذ ﻻ‌بد من نظيره وهو الرجاء، ﻷ‌ن الخوف بﻼ‌ رجاء يسبب القنوط واليأس، والرجاء بﻼ‌ خوف يسبب اﻷ‌من من مكر الله، وكلها أمور مذمومة تقدح في عقيدة اﻹ‌نسان وعبادته.

ورجاء قبول العمل- مع الخوف من رده يورث اﻹ‌نسان تواضعاً وخشوعاً لله تعالى، فيزيد إيمانه . وعندما يتحقق الرجاء فإن اﻹ‌نسان يرفع يديه سائﻼ‌ً الله قبول عمله؛ فإنه وحده القادر على ذلك، وهذا ما فعله أبونا إبراهيم خليل الرحمن وإسماعيل عليهما الصﻼ‌ة والسﻼ‌م، كما حكى الله عنهم في بنائهم الكعبة فقال:

( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم)( البقرة:127).



7- التيسير للطاعة واﻹ‌بعاد عن المعصية :

سبحان الله إذا قبل الله منك الطاعة يسَّر لك أخرى لم تكن في الحسبان ,بل وأبعدك عن معاصيه ولو اقتربت منها .

قال تعالى: (فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى{5} وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى{6} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى{7} وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى{8} وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى{9} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى{10})4-10 الليل



8- حب الصالحين وبغض أهل المعاصي :

من عﻼ‌مات قبول الطاعة أن يُحبب الله إلى قلبك الصالحين أهل الطاعة ويبغض إلى قلبك الفاسدين أهل المعاصي ،و لقد روى اﻹ‌مام أحمد عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أوثق عرى اﻹ‌يمان أن تحب في الله وتبغض في الله)).*

أخي الحبيب:

قل لي من تحب من تجالس من تود أقل لك من أنت ,ولله در عطاء الله السكندري حين قال :(إذا أردت أن تعرف مقامك عند الله فانظر أين أقامك) .

والواجب أن يكون حبنا وبغضنا، وعطاؤنا ومنعنا، وفعلنا وتركنا لله -سبحانه وتعالى- ﻻ‌ شريك له، ممتثلين قوله، صلى الله عليه وسلم " من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع الله، فقد استكمل اﻹ‌يمان " رواه أحمد عن معاذ بن أنس وغيره..*



9- كثرة اﻻ‌ستغفار:*

المتأمل في كثير من العبادات والطاعات مطلوبٌ أن يختمها العبد باﻻ‌ستغفار،فإنه مهما حرص اﻹ‌نسان على تكميل عمله فإنه ﻻ‌بد من النقص والتقصير، ، فبعد أن يؤدي العبد مناسك الحج قال تعالى:

(ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) ( البقرة:199).*

وبعد الصﻼ‌ة علَّمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نستغفر الله ثﻼ‌ثاً ، وأهل القيام بعد قيامهم وابتهالهم يختمون ذلك باﻻ‌ستغفار في اﻷ‌سحار،قال تعالى:*

(وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ )الذاريات18 ، وأوصى الله نبيه صلى الله عليه وسلم بقول (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) محمد19

وأمره أيضاً أن يختم حياته العامرة بعبادة الله والجهاد في سبيله باﻻ‌ستغفار فقال:*

(إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ{1} وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً{2} فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً{3})النصر

فكان يقول صلى الله عليه وسلم في ركوعه وسجوده: ( سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي) رواه البخاري.



10- المداومة على اﻷ‌عمال الصالحة:

كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم المداومة على اﻷ‌عمال الصالحة، فعن عائشة- رضي الله عنها - قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عمل عمﻼ‌ً أثبته) رواه مسلم.

و أحب اﻷ‌عمال إلى الله وإلى رسوله أدومها وإن قلَّت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أحب اﻷ‌عمال إلى الله أدومها وإن قل). متفق عليه.

وبشرى لمن داوم على عمل صالح، ثم انقطع عنه بسبب مرض أو سفر أو نوم كتب له أجر ذلك العمل. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً) رواه البخاري ، و هذا في حق من كان يعمل طاعة فحصل له ما يمنعه منها، وكانت نيته أن يداوم عليها. وقال صلى الله عليه وسلم :( ما من امرئ تكون له صﻼ‌ة بليل فغلبه عليها نوم إﻻ‌ كتب الله له أجر صﻼ‌ته، وكان نومه صدقة عليه). أخرجه النسائي.



أسأل الله جل وتعالى أن يجعلني وإياكم وجميع إخواننا المسلمين من المقبولين، ممن تقبل الله صيامهم وقيامهم وحجهم وجميع طاعاتهم وكانوا من عتقائه من النار.



{وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم}



[تحلالي أيامك يارمضان]

*





via منتديات ترانيم الأمل http://www.tran33m.org/vb/t172636.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق