الخميس، 16 يونيو 2016

الضربة القاضية..


-




السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته

:lovvss:

مقال لــ الفذ كريم الشاذلي قرأته على مصر العربية
أتمنى لكم قراءة ممتعة و مفيدة


الضربة القاضية






بعد ستة سنوات فقط من دخوله عالم الملاكمة، عاد الفتى الأسمر كاسيوس كلاي إلى بلدته حاملاً ميدالية
ذهبية أوليمبية، إنه حدث لا يتكرر كثيراً، ولهذا وجب الاحتفال.


بخطوات واثقة دخل أحد المطاعم الشهيرة في بلدته " لويزفيل" بولاية كنتاكي بالولايات المتحدة
الأمريكية، وقبل أن
ينادي النادل كي يطلب شطيرته المفضلة، جائه صاحب المطعم ليخبره بهدوء حازم
أنهم لا يرحبون بوجود السود داخل المكان!.
يعلم كلاي جيداً أن هوس التمييز العنصري في ذلك الوقت
1960 كان غالباً، لكن ألا يعرف هؤلاء الحمقى أي رجل
يوجهون له الكلام، إنه بطل أمريكي، والحقيقة
أنه فشل في إفهامهم هذا الأمر، حتى بعدما أخرج الميدالية الذهبية من
جيبه ورفعها عالياً في وجوههم،
نظارة التعصب كانت هي الغالبة، وعليه خرج الرجل من المطعم بشكل مهين!.


التاريخ يقول أن البطل الأسود لم يُدخل الميدالية إلى جيبه مرة ثانية، لقد ألقاها في النهر الذي يجري أمامه
ناقماً،
وهو يتسائل عن قيمة كل هذا الاحتفاء الذي قابلته به الدنيا إن كان غير قادر على أن يتناول
شطيرة في أحد المطاعم.


حدث هذا الموقف لكلاي وهو في الثامنة عشر من عمره، ويمكننا أن نقرأ من هذا الموقف المبكر طبيعة
هذا العبقري،
ذلك أن كثر يظنون أن منبت العظمة في شخصية الرجل تتأتى من موهبته الفذة وقبضته التي
اكتوى بنارها جل عمالقة
الملاكمة في زمانه، وذهب البعض بعاطفية إلى تمجيد الرجل لمجرد كونه مسلم
يتفق معهم في الديانة، وفي ظني أن
لا شيء من هذا صنع من محمد علي رقماً صعباً في الحياة.

مما لا شك فيه أن الرجل يملك ذكاء فطرياً، وسرعة بديهة عالية، وخفة دم جعلت من مؤتمراته وبرامجه
التلفزيونية
حدثاً هاماً كمبارياته تماماً، غير أن المتتبع لسيرة الرجل يمكن أن يضع يده على ثلاث ملامح في
شخصيته ساعدت
بشكل جوهري على جعله أسطورة حقيقية .
أما الأول فهو صرامته الشديدة تجاه معتقداته الشخصية، الرجل يضحك ويمزح وقد يغني ويرقص لكن
عندما تتحدث
عن قناعاته وقيمه الشخصية فيجب أن تحترمها جيداً وإلا فالويل لك، فنراه كما في
الموقف السابق يلقي بميداليته الذهبية
في النهر كي يقول "كفى" في وجه التمييز العنصري، ويمتنع عن
الانضمام إلى الجيش الأميركي نظراً لمناهضته
للحرب على فيتنام وقتل أهلها، ويعلن انضمامه إلى الإسلام
أو بمعنى أدق جماعة "أمة الإسلام" رغم عداء البيض من
الشعب الأميركي لها، كل خطوة من هذا
الخطوات كانت تستتبع مخاطرة كافية لإنهاء حياته أو الزج به في السجن أو
على الأقل خسارته
لجمهوره، لكنه لم يأبه بشيء من هذا، لا شيء يفوق راحة أن تعيش متسقاً مع مبادئك وقيمك،
لا شيء
أفضل من حرب تخوضها من أجل ما تؤمن به.

أما الشيء الثاني الذي ميز شخصية الرجل فكانت ثقته الشديدة بنفسه، تلك الثقة التي ارتفعت كثيراً حتى
لامست سقف
الغرور، لكنها في الأخير ثقة مبنية على قدراته التي يعرفها جيداً. من ذكاء المرء أن يراهن
على ما يؤمن بقيمته، وكان
محمد علي يعرف قيمة موهبته جيداً، كان مؤمناً بنفسه، وبتعبه، ولهذا لم يسقط
في اختبار الثقة قط.
في مجال الملاكمة كان ينظر في عين خصمه ويخبره بالجولة التي سيرسل له فيها
الصاعقة كي تنهي أحلامه،
في مجال السياسة لم تهزه حملات التخوين إبان رفضه الذهاب إلى فيتنام
وتحدى قرار إيقافه حتى عاد ثانية إلى الحلبة
مكلالاً بالمجد، أما في الحياة الاجتماعية فكان البطل
الأسمر يميل إلى أن يكون محبوباً لا مرهوباً، يختزل معاركه
للقضايا الكبرى، ولهذا كان سجله خالياً
من المعارك الجانبية.

الشيء الثالث الذي يميز شخصية محمد علي هو الحب، الحقيقة أننا بصدد رجل يحب بتطرف، بدء من
حبه لنفسه
ولجنسه وعِرقه والذي ذهب به إلى التصريح مراراً بان السود هم أفضل خلق الله، وأنه من الغباء
أن يتزوج أسود من
امرأة بيضاء، مروراً بحبه للعبة الملاكمة والذي تعامل مع حلبتها بشكل مخالف لكل من
جاء قبله واخترع لها أغنية
خاصة "طف كالفراشة .. السع كالنحلة" وانتهاء بحبه لعقيدته الدينية والتي لا
يترك أبداً مناسبة إلا ويتحدث عنها وعن
عظمة الله الذي عرفه عن طريق الإسلام.

جديته في معاركه، ثقته بنفسه وموهبته وقرارته، حالة الحب والشغف التي تتملكه، هذه الثلاثية كانت هامة
جداً في صُنع
شخصية البطل "محمد علي" وتنضح في جوانب شخصيته المختلفة، بل وتؤثر على رؤيتنا
له، فنراه يحمل وجهاً هو
خليط من براءة الطفل وصرامة المحاربين القدماء، يملك لساناً يضحكك
ويخيفك ويؤثر فيك في نفس الوقت، يملك القدرة
على التعبير عن مكنونات نفسه بسهولة، حتى لتظن
حين تستمع إلى حوارته ولقاءاته وكأنه قد جهز إجابات الأسئلة سلفاً.

وفي أخريات حياته تخلى الرجل عن شيء من عصبيته تجاه بعض القضايا، تسامح مع الرجل الأبيض مؤكداً
أن تطرفه
تجاهه كان نابعاً من تطرف المعسكر الآخر، كما اعتدل الرجل في نظرته للمرأة واعترف بخطأه
حينما قال أن دورها
محصور فقط في المنزل مؤكداً أن مجتمع لا يحترم دور المرأة سيخسر الكثير، كان
يبتسم في ود متذكراً خصوم
الماضي في حلبة الملاكمة متمنياً أن يكونوا أحياء كي يجلسوا سوياً متندرين
عما فعلته بهم الأيام، وكيف أن ضربة
الزمن هي فقط التي يمكن تسميتها .. بالضربة القاضية!




لــ كريم الشاذلي

المقالة مسموعة
http://ift.tt/1OtpYbI





أعطر تحية

ليلى :152:







الضربة القاضية..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق